بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله ،،
وقفة مع آية : ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر
هذه السورة ذات ايقاع جليل رهيب ، و كأنما هي صوت نذير قائم على شرف عال ، يمد بصوته و يدوي بنبرته ، يصيح بنوم غافلين مخمورين سادرين
أشرفوا على الهاوية و عيونهم مغمضة و حسهم مسحور ، فهو يمد بصوته الى أعلى و أبعد ما يبلغ :
{ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } : أيها السادرون المخمورون
أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال و الأولاد و أغراض الحياة و أنتم مفارقون
أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه ، أيها التاركون ماتتكاثرون فيه و تتفاخرون الى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر ..
استيقظوا و أنظروا فقد : { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر }
ثم يقرع قلوبهم بهول ما ينتظرهم هناك بعد زيارة المقابر ، في ايقاع عميق ورزين { كلا سوف تعلمون } و يكرر هذا الايقاع بألفاظه و جرسه الرهيب { ثم كلا سوف تعلمون }
ثم يزيد التوكيد عمقا ورهبة ، و تلويحا بما وراءه من أمر ثقيل ، لا يتبينون حقيقته الهائلة في غمرة الخمار و الاستكثار { كلا لو تعلمون علم اليقين }
ثم يكشف عن هذه الحقيقة المطوية الرهيبة : { لترون الجحيم } ، ثم يؤكد هذه الحقيقة و يعمق وقعها الرهيب في القلوب : { ثم لترونها عين اليقين }
ثم يلقي بالايقاع الأخير ، الذي يدع المخمور يفيق و الغافل يتنبه ، و السادر يتلفت و الناعم يرتعش و يرتجف مما في يديه من نعيم :
{ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } ، لتسألن من أين نلتموه ؟ و فيم أنفقتموه ؟ أمن طاعة و في طاعة ؟ أم من معصية و في معصية ؟
أمن حلال و في حلال ؟ هل شكرتم ؟ هل شاركتم ؟ هل استأثرتم ؟ .. { لتسألن } عما تتكاثرون به و تتفاخرون
فهو عبء تستخفونه في غمرتكم و لهوكم و لكن وراءه ماوراءه من هم ثقيل ..
إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها ، و تلقي في الحس ماتلقي بمعناها و ايقاعها ، و تدع القلب مشغولا بهم الآخرة عن سفاسف الحياة الدنيا
وصغائر اهتماماتها التي يهش لها الفارغون !
{ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } و تنتهي ومضة الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل ..
و ما إن يقرأ الانسان هذه السورة الرهيبة حتى يشعر بثقل ماعلى عاتقه من أعقاب هذه الحياة التي يحياها على الأرض
ثم يحمل ما يحمل منها و يمضي به مثقلا في الطريق ، ثم ينشىء يحاسب نفسه على الصغير و الزهيد !
‘ مما راق للنفس